ديوان "الحريك"-بن يونس ماجن-لندن-المملكة المتحدة
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
شعر

ديوان "الحريك"

  بن يونس ماجن    


بعد مسيرة خمسة أيام
بين المسالك الوعرة
منتعلا خفين من جلد الماعز الخشن
وصلت الى نقطة "الحريك"  *
 
قبل الرحيل الى المجهول
والهروب صوب البحر
وضعت حفنة من حبات الرمل
 في جيبي
انتقيتها من شط بلادي المفضل
ثم تركت نعالي المهترئة
عند باب البحر
 
الليلة سيكون العبور
كان القارب مجهزا للابحار
الليلة هادئة
السمك في اجازة
والطحالب ناعسة
لا هدير ولا شخير
النجوم شاهدة على ذلك
والبحر ينتظرنا لمبارزته
المعركة بين الأمواج
لم تبدأ بعد
ربان القارب
في مقهى الميناء
يعد حصيلة تكلفة الابحار
الى الضفة الاخرى
 
الابحار سيكون
على الساعة الواحدة صباحا
انسللنا نحو القارب
 الموشوم باللون الأزرق
 
 
 
 
 
كان قائد القارب
ينتظر قدومنا
مختبئا وراء الصخور
وهدير البحرينكسر
على ساحل طنجة الناعسة
 
 
من بحر الى بحر
ننتظر الموت على قارب خشبي
فوق أمواج متعبة
وبحر لعوب
 
الى أن جاء يوم العبور
فوقفنا أمام البحر
نتوسل الى حورياته   
يا ليت لو حفروا لنا نفقا تحت البحر
يا بحر لا توصد أبوابك النائية
 
وقبل ان يستيقظ البحر من نعاسه
كان الفجر يركب آخر أمواجه
وقد كان كل شئ هادئا
 
حين اقتربنا من القارب
ركضنا اليه متسابقين
فاشار علينا ربان القارب بالجلوس
فامتثلنا
ثم دخلنا البحر خلسة
ثلاثون جثة  
ومضغة جاهزة للحيتان
 
 
على عرش الليل البهيم
كان القمر يضاجع نجومه  
والبحر يلفظ قرابينه
 
توغل بنا القارب الخشبي
في أجواء البحر المظلمة
الامواج تصبح مصيدة هائلة
والسمك أقام سورا حولنا
نوشك أن نغرق
يا أصدقاء "الحريك"
أين المفر؟
 
صديقي يرمي نفسه
 في لج لا قرار له
ثم يصيح بنا:
انه بحر مليئ بالالغام
ان لم نتقن السباحة
سنغرق حتما
وسيقدودنا الى مرفأ
 معلق بين السماء والأرض
 
بينما كانت النوارس تحلق فوق رؤوسنا
كان قاربنا العتيق يبحرعكس التيار
أما الغربان فكانت تتجمل
 برغوة البحر الأبيض المتوسط
 
هذا البحر المزركش
له طعم لذيذ
يبلل ريق الحوت
رائحة المحار
تزعج الاعصار
فتثور الزوابع
ويصعد الموج الراقص
عاليا في زرقة السماء
 
ما أعتدت على الابحار
بلا جواز سفر ولا تأشيرة
لعل بطاقتي الوطنية
قادرة على تبديد
هول البحر
وأمواجه الهائلة
أنا الذي غازلت الموت
أكثر من مرة
وما زال الهروب
يتسكع في مخيلتي
 
والآن صرت كسمكة القرش
التي  ترفض أن تغادر البحر
من أجل تحقيق حلمي
سأصارع الامواج
وأعارك أعالي البحار
وأركب المخاطر
ولا يهمني ان كان العبور
يفضي الى الموت البطئ
لاشيء يضاهي هول البحر
لكن عبوره
مغامرة سهلة المراس
أريد الوصول الى الضفة الاخرى
لم يبق مني غير جثة عائمة
فهزيمة واحدة تكفيني
سأتم رحلتي ولو بمجداف واحد
ولو في بطن الحوت
واذا تعسر ذلك
فسأعبره مشيا على الاقدام
 
 
أفتش في نفايات البحر
عن غنائم
كنستها الأمواج الغاضبة
مجدافي وحده الكفيل
بايصالي الى مرعى خصب
عند ذلك سأكشف على طاولة الرهان
 كل أوراقي الثبوتية
وسأحرق كل ما تبقى
من حظي المغسول بتعاويذ
كتبها المنجمون
على مؤخرة قردة شمطاء
وسأعيد كتابة وصيتي من جديد
وسأبوح لكم باسراري
قبل موسم الحداد
وسيكون البحر شاهدا على ذلك
أسحب رائحته الى قاربي لينعشه
 
أنا الآن أتعارك مع ريح عاتية
قاربي في بحر متلاطم الأمواج
وجثث مبللة باردة كالصقيع
 
وانتظر الريح الغربية
لتحملني بعيدا
ما ابعد تلك الضفاف
وما أقرب الأفق
حين يلثم وجه البحر
 
غرقى مفقودون
ورسالة في قارورة
ساقتهم الامواج
الى شاطئ مجهول
 
 
يبدو أن البقاء في البحر
يشبه خلود جلجامش في بابل
 
في الشاطئ الآمن
حيث ينام الزبد
على امتداد الرمل
يتدحرج قارب الصيد
يمنة ويسرة
من بعيد
نباح الكلاب
يفسد متعة القيلولة
 
لماذا لا نكون كالاسماك
لا تحمل بطاقة هوية
في مملكة البحر
ولا ترتدي لباسا بلاستيكيا
 
وظل البحر يحدثنا عن زرقة مياهه
وعن الأمواج التي تحرض الطحالب
  على المد والجزر
 
يركل البحر امواجه
فتثور غضبا
 وهوالمحاصردوما
 بعاصفة من لون السماء
ولفافة من الزبد الكثيف
 
بيد أن الممر المائي طويل
لا يزال غائرا
وقاربي يتخبط فيه  ببطء
والامواج تنأى بنا عن شط الامان
 
 
كيف قدر لي أن اذهب الى البحر؟
ما الذي ينبغي علي أن أفعله؟
هذا هو قدري
ومصيري المحتم
 
"الحريك" عبر قوارب الموت
هو الامل المنشود للملايين
من العاطلين عن العمل
حرفة دنيئة تمتهنها
خلية تهريب المهاجرين السريين
الى جزيرة ابريا وايطاليا
فوق بحر زاخر بالغضب المحموم
 
يسكنني الهروب الى الضفة الأخرى
والتحليق الى آفاق بعيدة
كما أتوق الى عشب ندي كثير الاخضرار
 
الامواج العاتية
تلتهم  الارواح البشرية
 فيتحول الزبد الى مقبرة عائمة
 
قاربي في عرض اليم
جاثم على الماء
في دهليز عائم
تهدهده الامواج العالية
ركوب اهوال البحر
 يتبعه الغثيان والدوار
والغريق يستنجد
فمن يقذف به الى اليابسة
فمن يتطوع ؟
 
 
 
في جوف الليل
ركبنا البحر وأهواله
قاربنا المليئ بالأجساد
يصارع أنفاسه
فوق صهوة موجة عنيدة
ورياح مخاتلة
كسرت قاربنا المنكوب
وتذكرت أنني لا أجيد السباحة
وكنت أكره الماء
اعترتني حالة ذهول شديد
فشعرت بدوار
وفكرت بأن الابحار
بلا أقمصة وفلائك النجاة
وبدون مرآة عاكسة لاشعة الشمس
هو مغامرة خطيرة
ورهان غير رابح
لا يؤدي الى تربة الفردوس الموعود
لم يبق لي من أحلام



 
  بن يونس ماجن-لندن-المملكة المتحدة (2011-10-20)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

ديوان

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia